سورة الفرقان - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (58)}
قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} تقدم معنى التوكل في آل عمران وهذه السورة وأنه اعتماد القلب على الله تعالى في كل الأمور، وأن الأسباب وسائط أمر بها من غير اعتماد عليها. {وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} أي نزه الله تعالى عما يصفه هؤلاء الكفار به من الشركاء. والتسبيح التنزيه. وقد تقدم.
وقيل: {وَسَبِّحْ} أي صل له، وتسمى الصلاة تسبيحا. {وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً} أي عليما فيجازيهم بها.


{الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (59)}
قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ} تقدم في الأعراف. و{الَّذِي} في موضع خفض نعتا للحي. وقال: {بَيْنَهُما} ولم يقل بينهن، لأنه أراد الصنفين والنوعين والشيئين، كقول القطامي: ألم يحزنك أن حبال قيس وتغلب قد تباينتا انقطاء أراد وحبال تغلب فثنى، والحبال جمع، لأنه أراد الشيئين والنوعين. {الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً} قال الزجاج: المعنى فاسأل عنه. وقد حكى هذا جماعة من أهل اللغة أن الباء تكون بمعنى عن، كما قال تعالى: {سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ} وقال الشاعر:
هلا سألت الخيل يا بنة مالك *** إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
وقال علقمه بن عبدة:
فإن تسألوني بالنساء فإنني *** خبير بأدواء النساء طبيب
أي عن النساء وعما لم تعلمي. وأنكره علي بن سليمان وقال: أهل النظر ينكرون أن تكون الباء بمعنى عن، لان في هذا إفسادا لمعاني قول العرب: لو لقيت فلانا للقيك به الأسد، أي للقيك بلقائك إياه الأسد. المعنى فاسأل بسؤالك إياه خبيرا. وكذلك قال ابن جبير: الخبير هو الله تعالى. ف {خَبِيراً} نصب على المفعول به بالسؤال. قلت: قول الزجاج يخرج على وجه حسن، وهو أن يكون الخبير غير الله، أي فاسأل عنه خبيرا، أي عالما به، أي بصفاته وأسمائه.
وقيل: المعنى فاسأل له خبيرا، فهو نصب على الحال من الهاء المضمرة. قال المهدوي: ولا يحسن حالا إذ لا يخلو أن تكون الحال من السائل أو المسئول، ولا يصح كونها حالا من الفاعل، لان الخبير لا يحتاج أن يسأل غيره. ولا يكون من المفعول، لان المسئول عنه وهو الرحمن خبير أبدا، والحال في أغلب الامر يتغير وينتقل، إلا أن يحمل على أنها حال مؤكدة، مثل: {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً} فيجوز. وأما {الرَّحْمنُ} ففي رفعه ثلاثة أوجه: يكون بدلا من المضمر الذي في {اسْتَوى}. ويجوز أن يكون مرفوعا بمعنى هو الرحمن. ويجوز أن يكون مرفوعا بالابتداء وخبره {فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً}. ويجوز الخفض بمعنى وتوكل على الحي الذي لا يموت الرحمن، يكون نعتا. ويجوز النصب على المدح.


{وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً (60)}
قوله تعالى: {وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ} أي لله تعالى. {قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ} على جهة الإنكار والتعجب، أي ما نعرف الرحمن إلا رحمان اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب. وزعم القاضي أبو بكر بن العربي أنهم إنما جهلوا الصفة لا الموصوف، واستدل على ذلك بقوله: {وَمَا الرَّحْمنُ} ولم يقولوا ومن الرحمن. قال ابن الحصار: وكأنه رحمه الله لم يقرأ الآية الأخرى {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ}. {أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا} هذه قراءة المدنيين والبصريين، أي لما تأمرنا أنت يا محمد. واختاره أبو عبيد وأبو حاتم. وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي: {يأمرنا} بالياء. يعنون الرحمن، كذا تأوله أبو عبيد، قال: ولو أقروا بأن الرحمن أمرهم ما كانوا كفارا. فقال النحاس: وليس يجب أن يتأول عن الكوفيين في قراءتهم هذا التأويل البعيد، ولكن الأولى أن يكون التأويل لهم {أنسجد لما يأمرنا} النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتصح القراءة على هذا، وإن كانت الأولى أبين وأقرب تناولا. {وَزادَهُمْ نُفُوراً} أي زادهم قول القائل لهم اسجدوا للرحمن نفورا عن الدين. وكان سفيان الثوري يقول في هذه الآية: إلهي زادني لك خضوعا ما زاد عداك نفورا.

8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15